تخطى إلى المحتوى

تنبيه الفطن الكيّس إلى كشف تعقبات أخينا الشيخ عبد العزيز الريس باختصار

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين على مر الأيام والليالي والشهور والسنين.

     

    أما بعد:

     

    فقد اطلعت على ما نشره أخونا الشيخ عبد العزيز بن ريس الريس من تعقبات لملحوظاتنا التي كتبناها استدراكاً على بعض كتبه ونشرناها في شبكة سحاب بتاريخ (18/ ذي الحجة/1431هـ) وسماه (نصيحة شيخنا الوالد عبيد الجابري عرض وإيضاح) وبعد التأمل والنظر ظهر لي أن منشوره يتلخص أهمه فيما يأتي :

     

    الوقفة الأولى : قال الشيخ عبد العزيز الريس وفقه الله :” وما كنت أظنه يريد جواباً مكتوباً لأنه لم يذكر ذلك في نصيحته الموجهة ولا في اتصالاتي الهاتفية به بعد ذلك. وإنما فهمت في ذاك الوقت أنه يريد مني أن أطالعها وأعمل بما شرح الله صدري له كما هو المعتاد في المناصحات”.

     

    والجواب: من أوجه:

     

    الأول: لو كنت مكانه لبادرت إلى البيان بالكتابة إلى من استدرك علي وناصحني، فما كان صوابا فلا أعدم تأييدي فيه وما كان خطأ فأرجو تصويبي في مواطن الخطأ وتنبيهي إليها كي استدركها.

     

    الثاني: اتصل بي أخونا الريس هاتفياً مرتين ، إحداهما بعد وصول كتابتي إليه مباشرة، أخبرني خلالها بوصول الرسالة ، والأخرى في أول عام 1431هـ ، وكان حينها قد وصل إلى المدينة فيما أظن وبصحبته الشيخ حمد بن عتيق، فاعتذرت عن استقبالهما لأني نزلت داراً قرب الميقات وكانت السكنى حديثة، والوضع لا يسمح باستقبالهما ومع بياني لهما هذا العذر قبلاه فيما يظهر مشكورين.

     

    الوقفة الثانية : الإحالة إلى كتب وأشرطة، والجواب عنه من ثلاثة أوجه:

     

    الأول: أن ملحوظاتي واستدراكاتي على كتب محدودة في طبعات معلومة.

     

    وثانيا: لا يلزمني تتبع جميع إنتاجه حتى أقارن بين سابق عباراته ولاحقها، إذ هذا الأمر تكليف بما لا يطاق.

     

    وثالثا: أنه بالرجوع إلى ما أمكننا النظر فيه من إحالاته لم يتبين لنا بعد النظر في مقدماته الرجوع الصريح كما ذكر بقوله :”فأبشر فضيلته أن كثيراً مما لا حظه قد أصلحته قبل نصحه لي بسنين في طبعات لاحقة مع الإشارة إلى ذلك فالحمد لله الذي وافق إصلاحي نصح فضيلته” ا-هـ. وقوله : “إن كثيراً من نصيحتكم – فضيلة شيخنا – كانت في أمور قد تم إصلاحها قبل نصحكم بسنين”ا-هـ.

     

    بل ما وجدناه هو حذف العبارة وهذا مع دعوى الإصلاح لا يكفي في البيان، بل لابد من ذكر الخطأ والتنبيه إلى الرجوع عنه صراحة، لا سيما في الأمور العقدية والمنهجية .

     

     

    الوقفة الثالثة: كرر مراده من عباراته في تسع مرات ، ومنها على سبيل المثال:

     

    قوله ص 12 : وأردت من هذا أنه لا يغتر بالحق الذي يوجد عند جماعة التبليغ.

     

    وقوله ص14: والذي أردته – مما تقدم ـ وأيدته بالنقل عن ناصر السنة وقامع البدعة ومجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله رحمة واسعة – أنه فمثلت التبليغيين – الذين هم ضلال جماعة وأفراداً – بالنصارى – الذين هم ضلال جماعة وأفراداً وإن صلحت معاملتهم – ، فبالمثال يتضح المقال.

     

    وقوله ص15: مرادي أني عندما أتكلم في أحد ليس لأجل ذاته حتى لا يظن أني أتكلم عن حسد وهوى، وإنما أتكلم عنه لأجل ضلالاته التي جرت على المسلمين الويلات والفتن.

     

    وقوله ص42: ومرادي بهذا التنبيه: الرد على السلفيين بغير حق.

     

    وانظر البقية ص10، 11، 19، 37، 57.

     

    وأظن بل أجزم أن القارئ ، أدرك أن نقدي ينصب على صريح عبارات الرجل، كما هو بيّن من كتابتي إليه، أما مراده فهذا ما لا سبيل لي إليه، فكيف أطلع على ما في نفسه وقلبه حتى أعرف مراده.

     

    الوقفة الرابعة: حاد الرجل عن الإجابة على استدراكي إلى أمور ليس لها علاقة ، وذلك في مواطن:

     

    الحيدة الأولى: كما في ص 47 إلى ص49. وهذه الصفحات فيما يراه رد على عبارتي وهي: “وهذا منكَ طعنٌ في أفهام أئمة معتبرين، وهذا مسلك السفهاء أعداء الدعوة السلفية“.

     

    والجواب :

     

    أولاً: أنه لم يخالف هؤلاء الأئمة من يعتد بقوله في الاستدلال بهذه الآية (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) على جواز استغاثة المخلوق بالمخلوق فيما يقدر عليه.

     

    وأقول ثانياً: مخالفة من أقام الدليل الذي لا يحتمل التأويل على مثل ما تضمنته آية القصص هذه؛ طعن في فهمه الصحيح الموافق للدليل الصريح، فكيف بعلماء أجلاء وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كما سيأتي.

     

    لا يشك صاحب سنة كيس فطن أن قوله : “والظاهر أنّ الاستدلال بهذه الآية على جواز الاستغاثة بالمخلوق فيه نظر” طعن في فهم علماء أجلاء استدلوا بهذه الآية على جواز استغاثة المخلوق بالمخلوق فيما يقدر عليه، فهل يقدر على أن يأتي بآية هي أصرح من آية القصص. في هذا الباب، أظن أن بينه وبين ذلك خرط القتاد.

     

    وأقول ثانياً: أنّ العلماء في الكلام على هذه المسألة على ضربين :

     

    الأول: من صرح بالاستدلال بالآية على ما سبق، وانظر على سبيل المثال: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (1/ 103-104)، وتطهير الاعتقاد ، للصنعاني ص67، كشف الشبهات ص50، وتيسير العزيز الحميد ص175،ومنهاج التأسيس والتقديس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ص120، جلاء العينين للألوسي ص513،صيانة الإنسان للسهسواني ص153، وشرح كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم ص120، والحسام الماحق للشيخ محمد تقي الدين الهلالي ص12، وإقامة البراهين للشيخ ابن باز ص16، وفي شرحه على الأصول الثلاثة ص30، والقول المفيد للشيخ ابن عثيمين (1/260)، وإعانة المستفيد للشيخ الفوزان (1/193).

     

    ثانيا: من فسرها بما لا يخالف قول الآخرين : وانظر على سبيل المثال : تفسير البغوي (3/527)،والجامع للقرطبي (13/260)، وفتح القدير (4/188)، وأحكام القرآن لابن العربي (3/492).

     

    وثالثا: فيما نقله ص 46 قول شيخ الإسلام ابن تيميه :” فإن قوله تعالى (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) لا يقتضي أنه شرع لنا وجوباً و لا استحباباً مثل هذه الاستغاثة بل ولا يقتضي الإباحة، فإن هذا الإسرائيلي ليس ممن يحتج بأفعاله، بل ولا في الآية ما يقتضي أن هذا المستغيث بموسى كان مظلوماً بل لعلَّه كان ظالماً وموسى لما أغاثه فقتل عدوه ندم على ذلك..) إلا أن قول ابن تيمية (بل لعله كان ظالماً لموسى..) قد خالفه”. فلماذا عمد إلى هذا النقل المحتمل وترك النص الصريح من شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/103-104) :وهو قوله” والاستغاثة طلب الغوث وهو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر والاستعانة طلب العون والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها كما قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} وكما قال: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} وكما قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}”.

     

    ولمزيد الإيضاح وإتمام الفائدة في هذه المسألة أنقل لك أيها القارئ كلاماً نفيساً للشاطبي -رحمه الله- حيث قال :” كل حكاية وقعت في القرآن؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها وهو الأكثر رد لها، أو لا فإن وقع رد؛ فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه، وإن لم يقع معها رد؛ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه” الموافقات (4/158).

     

    فهل تجد أيها اللبيب الفطن قبل آية القصص التي استدل بها العلماء وقال الأخ الريس :”والظاهر أن الاستدلال بهذه الآية على جواز الاستغاثة بالمخلوق فيه نظر” أو بعدها ما يناقض ما تضمنته من حكاية ويوجب رد الاستدلال بها، وهل تجد في السنة كذلك .

     

    ورابعا: قول الشيخ الريس : “وهل إذا اختار طالب علم قولاً ظهر له بالدليل في مسألة خلافية يعد طاعناً فيمن خالفهم” فجوابها فيما تقدم.

     

    الحيدة الثانية: قال الشيخ الريس ردا على ما اعترضت به عليه في قوله :”ومما يجعل الإنسان يجزم بأن مراد الشيخ زيادة على السابق واللاحق من كلامه، أن كلامه في تكفير الساب والمستهزئ كثير، كما سبق نقل بعضه، وكلام العالم يفسر بعضه بعضاً..”“والرد من أوجه ، إلى أخر كلامه ) وما أظنك أيها القارئ غفلت بل أجزم بفهمك للأمور الخمسة التي ذكرتها تحريراً للمقال في هذه المسألة، وتذكيراً بها نعيدها إليك : “في هذه المسألة: أن كلام العالم السلفي له أحوالٌ:

     

    إحداها: ما كان صحيحاً بموافقة نصٍّ أو إجماعٍ، فهذا مقبولٌ.

     

    ثانيها: ما كان خطأً مخالفاً للدليل من نصٍّ أو إجماع، فهذا مردودٌ، مع حفظ كرامته وصيانة عرضه.

     

    ثالثها: ما كان مخالفاً لما هو معلوم من أصوله في تقرير السنة ورد البدع، فيُردُّ إلى تلك الأصول.

     

    رابعها: ما كان يمكن رده إلى سباق الكلام ولحاقه، فإن استقام لذلك وإلا رُدَّ.

     

    خامسها: أن يكون له في المسألة قولان، أخطأ في أحدهما وأصاب في الآخر، فيُقبلُ منهما ما كان صواباً، ويردُّ الآخر” وبهذا أستغني عن تتبع عباراته التي ملأ بها ست صفحات من ص 24 إلى ص29.

     

    الحيدة الثالثة: قال عبد العزيز الريس : “فمعنى هذا أنه إذا دل الظاهر على أمر ومنه الكفر الأكبر ولم يبين الباطن بخلافه فإنه يعمل بالظاهر فيكون دليلاً على كفر الباطن، وهذا ظاهر لمن تأمله”.

     

    والجواب : ضمن ما قلت له في الملحوظة العاشرة :” ذلك أنك خالفت القاعدة المقررة لدى أهل العلم والإيمان وتتألف من فرعين:

     

    أولهما: أن الحكم على القول أو الفعل ينظر فيه إلى دلالة الشرع، فما دلَّ عليه الشرع أنه كفر أو فسق أو بدعة، حكموا على ذلك القول أو العمل كذلك.

     

    والثاني: انطباق الوصف على المعين الذي صدر منه ذلك القول أو الفعل، وانطباق الوصف على ذلك المعين هو باجتماع الشروط وانتفاء الموانع.

     

    فيتلخص من تقرير ما سبق: أن الأصل فيمن أظهر كفراً أو فسقاً أو بدعة الحكم عليه بما أظهره إلا حين يوجد مانعٌ أو يتخلف شرطٌ. راجع في ذلك إن شئت (القواعد المثلى)للعلامة ابن عثيمين”.

     

    ولكي تدرك أيها القارئ حيدة الرجل عن الجواب في هذه المسألة، أنقل لك ما نقله الإمام العلامة محمد بن صالح ابن عثيمين في القواعد المثلى: قال العلامة ابن عثيمين في القواعد المثلى :” قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله (ص 180، ج 12) “مجموع الفتاوى” لابن قاسم: “وأما التكفير، فالصواب: أن من اجتهد من أمة محمد r وقصد الحق فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول r فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر. ومن اتبع هواه، وقَصَّر في طلب الحق، وتكلم بلا علم، فهو عاصٍ مذنب. ثم قد يكون فاسقا، وقد يكون له حسنات تَرْجَحُ على سيئاته” اهـ.

     

    وقال في (ص 229، ج 3) من المجموع المذكور في كلام له: “هذا، مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وأني أقرر: أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية. ومازال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية “.

     

    ألست تدرك أيها القارئ بعد هذا النقل حيدة الرجل وإصراره على عبارته المطلقة ؟

     

    الوقفة الخامسة : سوء التصرف في كلام أهل العلم، وعدم فهمه، وإيضاح ذلك فيما يأتي :

     

    أولاً: قال الأخ الريس :” قاعدة إذا توارد الاحتمال بطل الاستدلال قاعدة مهمة توارد عليها العلماء كما عزاها إليهم شيخنا العلامة المحقق محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – إذ قال: القاعدة عند العلماء إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .( الشرح الممتع (1/318)).

     

    والجواب : الذي وقفت عليه في مصدر النقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قوله :” ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال”

     

    والسؤال أيها القارئ أليس هذا التصرف من الريس خيانةً للأمانة العلمية ؟!

     

    ألا تلحظ أنه بتر كلام الشيخ محمد بن عثيمين حتى يطوعه لما يريد، والملحوظ: اعتراضي عليه فيما قرره بقوله : “أن الاستدلال بهذا الحديث من باب الاستدلال بالأمور المحتملات، والاحتمال إذا توارد على دليل بطل الاستدلال به”.

     

    فقلت له مستدركاً: “يلزمُ على قاعدتك المطلقة هذه أن لا دليل يصلح من النصوص؛ لأنَّ كل فريق يرى أن أدلة الفريق الآخر محتملة، فهل ترى أنت أنه لا دليل إلا في الإجماع، ولا يعوَّل على النصوص ؟ نعيذك بالله من ذلك،فإن أكثر الأحكام الشرعية ليس فيها دليل إلا النص، فانظر بإمعان وبصيرة، ومراجعة لكلام السلف، يظهر لك أن هذه القاعدة غير مسلَّمة مطلقاً !!”.

     

    ثانياً: أنه نقل من كلام أهل العلم ما هو حجةٌ عليه ،وعلى سبيل المثال ما رد به العلامة المعلمي على أبي رية المنحرف، حيث قال الأخ الريس : “وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي في كتابه الأنوار الكاشفة (ص267): “إذ قال-أي: أبو رية المبتدع-: ومن القواعد الجليلة أن طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال يكسوها ثوب الإجمال فيسقط به الاستدلال.

     

    أقول -أي: المعلمي-: موضع هذا أن يحتمل الخبر وجهين ولا دليل فيه على أحدهما، فإنه إذا كان أحدهما راجحًا فالحكم له ” ا.هـ

     

    ألست تدرك أيها القارئ إصرار الرجل على هذه القاعدة الفاسدة، وأنه لا يحسن التعامل مع أهل العلم فيما ينقله عنهم ؟!

     

    ألست تدرك أنه شابه أبا رية، في تقريره هذه القاعدة، وقد ردها عليه العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله ؟!.

     

    ثالثاً : قال الأخ الريس :” والذي رأيته أن لشيخنا العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – كلاماً يقرر فيه أنها لا تحتاج إلى شروط توضحها بل هي واضحة بدون هذه الشروط وذكر شروطاً غير السبعة، وقد سئل عن شروطها أكثر من مرة ولم يذكر أن شروطها محصورة في السبعة” .

     

    والجواب: عما نقله عن الإمام العلامة ابن عثيمين كما رأيت من وجهين:

     

    الوجه الأول : أن من عرف الشيخ وتقريراته في هذا الباب وغيره من أبواب الاعتقاد يعلم أن الشيخ على مسلك الأئمة قبله وهو الاختصار حيث لا ينفع سواه، والبسط حيث يستدعي الأمر ذلك، يوضحه

     

    الوجه الثاني : وهو ما نقله الريس نفسه من صريح عبارة الإمام ابن عثيمين رحمه الله ،ونصه: “أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.” اهـ.

     

    قال مقيده : ألست تدرك معي أن الرجل ناقض نفسه بنفسه ؟!.

     

    الوقفة السادسة : قول الأخ عبد العزيز الريس:” والجواب أني ذكرت هذا في كتابي الإمام الألباني وموقفه من الإرجاء لما نقلت كلامه في أن الأعمال شرط كمال فمعناه أنه إذا فقد الأعمال كلها لم يفقد معه أصل الإيمان، وتقرير مثل هذا لا يتنافى مع القول بأن العمل من الإيمان لأنه يكون من الإيمان الذي يزيد به وينقص لكنه لا يزول بزواله فكون العمل من الإيمان لا يلزم منه أن الإيمان يزول بزواله مثل الزكاة والحج هي من الإيمان ولا يزول الإيمان بزوالها لكنه ينقص، وظني أنه لا تناقض بعد هذا البيان”.

     

    والجواب: ليس الأمر مطلقاً كما ذكر، فإنّ الأئمة لا يكفرون بترك هذه الفرائض إلا جاحدها وأما من تركها تهواناً وكسلاً فهو فاسق عندهم، فلما ترك هذا التفصيل ؟!.

     

    الوقفة السابعة: قوله في شروط لا إله إلا الله :” لكن النزاع في حصرها في السبعة لا في أنها شروط” والجواب عن هذه العبارة من أوجه:

     

    الأول : نطالب الأخ الريس أن يذكر نصاً عمن يعتد بقوله خلافاً لما قرره الإمام الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله .

     

    الثاني : إذا أطلق العلماء كما ذكرت رداً على الرجل فهم علماء السنة في هذا البلد وفي غيره، فحتى هذه الساعة لا أعلم عالم سنة خالف ما ذكره علماءنا المعروفون بالسابقة في الفضل وجلالة القدر.

     

    الثالث : لم يكن الشيخ عبد الرحمن رحمه الله بدعاً فيما قرره من شروط لا إله إلا الله بل استنبط ذلك بالاستقراء المنقول عن الأئمة السابقين وهاكم معشر القراء على سبيل المثال كلام بعضهم:

     

    قال أبو ثور :” فأخبرك بقول الطوائف واختلافهم: فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح؛ وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم، ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام قال: لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمناً حتى يكون مصدقاً بقلبه مقراً بلسانه، فإذا كان تصديق بالقلب وإقرار باللسان كان عندهم مؤمناً، وعند بعضهم لا يكون حتى يكون مع التصديق عمل؛ فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمناً، فلما نفوا أن الإيمان شيء واحد وقالوا: يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم، لم يكن مؤمناً إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء؛ وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء فكلهم يشهد أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وعمل بالجوارح” (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة [4 / 932]).

     

    وانظر مزيد فائدة: مدارج السالكين (3/508)، الإيمان لابن منده (1/331-332)، المروزي في تعظيم قدر الصلاة ص 462-463،ص483، سير أعلام النبلاء (4/584)، وانظر شرح عبارات السلف، للشيخ حافظ حكمي : أعلام السنة المنشورة ص176.

     

    الرابع : أعيد لك أيها القارئ ما استدركته على مقولته ص12:

     

    والملحوظ: على هذا الكلام مآخذ عدَّة:

     

    أولاً: مَنْ ذكر شروط لا إله إلا الله من أئمة الدعوة، ذكرها بأدلتها من الكتاب والسنة.

     

    ثانياً: في بعض رسائل أئمة الدعوة (سبعة) وفي بعضها (ثمانية) بإضافة (الكفر بما يعبد من دون الله)، فمن ذكر السبعة فهذا على سبيل الاختصار؛ لأن هذا الشرط داخل في بقية الشروط، ومن ذكره فعلى سبيل البسط، وهذا من الأساليب المحمودة لغة وشرعاً”.

     

    ولمزيد التأكيد والإيضاح أنقل كلاماً نفيساً من رسالة أخينا الفاضل محمد عبد الله مختار في رسالته التي بعنوان “شروط شهادة أن لا إله إلا الله تأصيلا ودراسة”، حيث قال ص 165-166: “دليل تعيين هذه الشروط وحصرها هو التتبع والاستقراء التام للنصوص الشرعية … والفائدة المتحصلة من هذا الحصر –كما تقدم- هو شرح كلمة التوحيد وإيضاحها وتقرير أحكامها، كشأن تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة، ونحو ذلك من تقسيمات أهل العلم وتفريعاتهم التي يوردونها لتقرير المعلوم وتحديد حكمه وبيان معناه… وهو استقراء صحيح تام لأمرين :

     

    الأول : أنه لم يقع استدراك من أهل العلم على هذا الحصر من حيث الإجمال، وإن وقع في التفصيل ، وهو لا يضر كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

     

    والثاني: ترابط هذه الشروط وتلازمها حتى إنها كالشيء الواحد، الذي لا يمكن الفصل بينه، فبعضها يكمل بعضاً ” اهـ.

     

    قال مقيده : وما إخالك أيها الكيس الفطن المتبع سبيل المؤمنين إلا تتيقن أن هذه الشروط ثبتت بالإجماع الاستقرائي ، وقد نقلت لك أمثلة من ذلك ضمن الوجه الثالث من هذه الوقفة.

     

    الخامس: يظهر لمن تأمل كلام الريس عفا الله عنا وعنه فتح الباب على مصراعيه لمن يشاء أن يزيد ما شاء كما حدث من بعض المتحذلقة المتحزبة فقرروا أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام اصطلاح أتى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا مشاحة في الاصطلاح فزادوا قسماً رابعاً فيما يزعمون وهو الحاكمية.

     

    السادس : نؤيد أخانا الريس إذا أتى بشروط زيادة على ما مشى عليه الشيخ عبد الرحمن بن حسن ومشى عليه علماؤنا من بعده بشرط أن يكون مأخذه مطابقا لمأخذ الشيخ عبد الرحمن .

     

    السابع : قال الشيخ الريس :” إنه بالرجوع إلى كلامي في قواعد ومسائل في توحيد الإلهية يتبين بوضوح أني أقر بهذه الشروط السبعة لكن لا أحصر الشروط فيها، وأرى الأدلة دلت عليها، لكن دلالة هذه الأدلة بطريقتين إما بصورة خاصة فهي لم ترد إلا في أربعة وهي اليقين والعلم والإخلاص والصدق”.

     

    وأقول: إن هذا تلبيس ليس بعده تلبيس ومجازفة ليس بعدها مجازفة ، يستبين لذي البصر والبصيرة والعلم والمعرفة حين يطلع المنصف على ما نقله صاحب الواجبات المتحتمات المعرفة فسيقف يقيناً أن الشيخ أقام الدليل على كل شرط من الشروط السبعة من الكتاب والسنة، فماذا يريد ابن الريس بعد هذا ؟!.

     

    الوقفة الثامنة : قال الشيخ الريس عن ياسر برهامي :” وبعد أن عرفت حاله ففي الطبعات القادمة – إن شاء الله – أحذف الإحالة إلى كتابه وجزاكم الله خيراً”.

     

    أقول: الجواب عن هذا من وجهين:

     

    أولا: كيف ينقل عن مجهول لا يعرفه، لا سيما في هذه المسألة المهمة، ألا يعلم أنه بهذا النقل يعلق به من لا يعرفه من ناشئتنا وعوامنا ثقة بالأخ عبد العزيز ومثل هذا النقل من أسباب الضلال في الأمة.

     

    ثانيا: لا يكفي حذف الإحالة في الطبعة القادمة، بل لا بد أن يتضمن كلامه الكشف عن حاله وبيان ضلاله، حتى يحذره من قرأ ما نقله عنه، ولا يكون رجوعاً صحيحاً إلا بهذا، قال تعالى “ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.

     

    الخاتمة : أشكر أخانا الشيخ عبد العزيز بن ريس الريس ما دعا لنا به، واسأل الله أن يعيذنا وإياه من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأنبه إلى أمرين:

     

    الأمر الأول: كل عالم أو طالب علم خالطت السنة بشاشة قلبه لا يخالف – فيما يقعده ويؤصله في تقريراته التي يريد بها تعليم الجاهل ونصح العامة والخاصة – السلف الصالح لأنه متقرر عند هؤلاء أن مخالفة سلف هذا الأمة الذين مضوا على سنة هو ضلالة، قال تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) .

     

    وفي الحديث الصحيح ” وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة”.

     

    قال مقيده : وقد تواتر النقل عن أئمة الهدى والعلم والإيمان من سلف هذه الأمة بالوصية لمن أراد سبيل السلامة والنجاة من البدع والمحدثات وحرص على نصيحة الأمة خواصها وعوامها بالعود إلى السمت الأول وهو ما كان عليه رسول الله r وأصحابه، وهاك أيها الناصح لنفسه والحازم في أمره ثلاث وصايا مختارة :

     

    الأولى : قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :” فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ”

     

    الثانية: قال الأوزاعي رحمه الله: “اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ وَقُلْ فِيمَا قَالُوا وَكُفْ عَمَّا كَفُّوا وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يَسَعَكَ مَا يَسَعَهُمْ”.

     

    الثالثة : قال ابن القيم رحمه الله :” فَمَنْ أَنْشَأَ أَقْوَالًا وَأَسَّسَ قَوَاعِدَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وَتَأْوِيلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأُمَّةِ اتِّبَاعُهَا، وَلَا التَّحَاكُمُ إِلَيْهَا حَتَّى تُعْرَضَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنْ طَابَقَتْهُ وَوَافَقَتْهُ وَشُهِدَ لَهَا بِالصِّحَّةِ قُبِلَتْ حِينَئِذٍ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ وَجَبَ رَدُّهَا وَاطِّرَاحُهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ جُعِلَتْ مَوْقُوفَةً، وَكَانَ أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ يَجُوزَ الْحُكْمُ وَالْإِفْتَاءُ بِهَا وَتَرْكُهُ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ وَيَتَعَيَّنُ فَكَلَّا وَلَمَّا”.

     

    الأمر الثاني: أحذّر طلاب العلم في كل مكان رجال ينشئون لهم أقولاً ويؤسسون لهم قواعد من تلقاء أنفسهم وحسب فهمهم فإن أولئك وإن انتسبوا إلى العلم والسنة ظاهراً فإنهم متعالمون ودعاة سوء وصرف للخاصة والعامة عن علماء العصر الذين عرفوا بجلالة القدر والسابقة في الفضل والسير في نصح الأمة ودعوتها على مسلك الأئمة قبلهم.

     

    والله أسأل أن يجمع عوامنا وخواصنا على ما رضيه للعباد والبلاد من الإسلام والسنة من مضلات الفتن ومن البدع والمحدثات فإن فشوها من غير نكير سبب في انحراف الأمة إلا من رحم الله.

     

    قال صلى الله عليه وسلم : “ «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز، مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه».

     

    قال كاتب هذه الصفحات : فيا أيها الكيس الفطن الحريص على سلوك مسلك العافية في دينك وعرضك فاحذر الفتن ودعاة الفتن فإن من سبيل قبولها نشرها في قالب العلم وإلباسها لباس السنة.

     

    الأمر الثالث: وهو من أسباب تفريق الكلمة وشتات السلفيين هو نصب مشايخ يعقد عليهم الولاء والبراء، وإيضاح ذلك أن كثيراً من طلاب العلم لا يتقبلون رد ما قرره مشايخهم الذين امتلأت قلوبهم من محبتهم فمن رد على هؤلاء المشايخ عادوه ومقتوه غير مكترثين بإقامة الدليل الصريح الصحيح الذي لا يقبل التأويل وهذه هي الحزبية بعينها التي يزعمون أنهم يبغضونها ويبدعون أهلها ويضللونهم لكنهم وقعوا فيها بهذا المسلك التعصبي للأشخاص وهذا السبيل المشين أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله بقوله :” وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي r ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون” مجموع الفتاوى (20 / 164).

     

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

     

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

     

     

     

    وكتبه عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري

    المدرس بالجامعة الإسلامية سابقا.

    وكان الفراغ منه ليلة الأحد

    الموافق الأول من ربيع الآخر عام 1432هـ

    السادس من مارس آذار 2011م.