تخطى إلى المحتوى

تحرير المقال في الإجابة عن سؤال

    بسم الله الرحمن الرحيم

     

    السؤال:

    لقد وردت علينا شبهة عند عرض هذا الحديث في ندوة أقيمت في بيان فضل التوحيد وقد أجاب شيخنا عبيد بن عبدالله الجابري في دحض هذه الشبهة بارك الله فيه وفي علمه ونفع به الإسلام والمسلمين،،،،

    الحديث:

    في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:

    أتيت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ‏ ‏(ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة). قلت: (وإن زنى وإن سرق؟) قال: (وإن زنى وإن سرق) قلت: (وإن زنى وإن سرق؟) قال: (وإن زنى وإن سرق) قلت: (وإن زنى وإن سرق؟) قال (وإن زنى وإن سرق على رغم أنف‏ ‏أبي ذر) .‏ ‏وكان ‏ ‏أبو ذر ‏ ‏إذا حدث بهذا قال (وإن رغم أنف ‏ ‏أبي ذر)

    متفق عليه واللفظ للبخاري

    الشبهة:

    عند إيرادنا لهذا الحديث ينتقدنا كثير من الناس بحجة أن الناس عوام وإذا سمعوا هذا الحديث استصغروا شأن المعاصي خاصة من هم في سن المراهقة ويقولون إن هذا من العلم الذي لا يقال للعوام.

     

     

    الجواب:

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم، أما بعد:

    فإن من تكلم بهذا الحديث هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله فيه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)

    وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

    وقال صلى الله عليه وسلم (ألا إني أوتيت القران ومثله معه) فذكر الحديث وفيه (ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله).

     

    فتحصل من هذا أنه يجب على المسلم أن يؤمن بهذا الحديث وما هو في معناه مما يحتج به على أهل السنة أنهم ويهونون من أمر المعاصي ومن ثم يتحرى من هو لا خلاق له محتجا بأن أهل السنة يهونون من أمر المعاصي.

    ❏❐❑

    فالجواب من أوجه:

    اولا : أن هذا الحديث ليس فردا في هذه المسألة بل في معناه من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الكثيرة ومنها ما أخرجه البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات يدعو لله ندا دخل النار.) وقلت أنا -يعني ابن مسعود- (ومن مات لايدعو لله ندا دخل الجنة).

    وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار).

    وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبدالله ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق ،والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أخرجاه.

     

    قال أهل العلم (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أي: صلاح وفساد.

    قال النووي في شرحه على حديثي جابر وعبادة بن الصامت وما في معناهما (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا)

    وما قاله النووي هو ما مشى عليه الصحابة والتابعون.

     

    ثانيا: أن هذه الأحاديث مفيدة ما استنبط النووي رحمه الله

    يوضح هذا ما أخرجه البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ)

    فأخذ أهل السنة بهذه الأحاديث -وما في معناها- على ظاهرها وقرروا ما يأتي:

    أولا : أن المعاصي لا تسلب الإيمان بالكلية بل تسلب كماله ما لم يستحلها العبد فمن استحل ماهو معلوم تحريمه من الدين بالضرورة عالما عامدا مختارا وأظهر ذلك كان كافرا مرتدا، ومن استحله باطنا كان منافقا.

    وأهل السنة يحكمون على العباد بما ظهر من أقوالهم وأفعالهم.

    ثانيا: أن أهل السنة لا يوردون هذا الحديث وما في معناه إيرادا مطلقا بل يبينون معناه كما دلت عليه النصوص الأخرى.

     

    يوضح ذلك أن أهل السنة يحذرون من المعاصي ويشنعون على العاصي وقد يصل الأمر إلى هجره وبغضه ولهذا قالوا (من خشي على أحد من فاسق يتردد عليه, وجب عليه تحذيره منه).

     

    ومن ما يحذر به أهل السنة من المعاصي ما أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) الحديث

    فتحصل من هذا كله

    أولا: أن أهل السنة لا يوردون هذه الأحاديث إلا ويبينون خطورة المعاصي ويحذرون منها

    ثانيا: أن مرتكب المعاصي ليس له الأمن التام يوم القيامة من دخول النار. بل قد يدخلها جراء ما أصر عليه من الكبائر فهو تحت مشيئة الله إن شأ عذب وان شأ غفر له، وان عذبه لم يخلده في النار.

     

    ومن خطورة المعاصي التي يحذر منها أهل السنة أن السارق تقطع يده والزاني المحصن يرجم، والقاتل عمدا عليه القصاص إلا إن عفا ولي الدم.

     

    وخلاصة القول:

    إن أهل السنة لايهونون من أمر المعاصي وقد دحضت هذه الشبهة ولله الحمد بما بيناه في هذه المسألة ولله الحمد والمنة

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

     

    أملاه

    عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري

    المدرس بالجامعة الإسلامية سابقا

    في عصر الجمعة

    الثاني من جمادى الأولى عام 1431 من الهجرة النبوية