بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الغفار, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم المصطفين الأخيار, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الخيار.
أما بعد: فقد أطلعت على عبارات ومقالات لأخينا الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي الاستاذ بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية, فاستغربت تلك المقالات والعبارات, واستنكرتها, لأنها شاذة عن مسلك السلف الصالحين, مجانبة لما ألفناه وتعودناه من تقريرات أئمة العلم والدين, الذين مضوا على اتباع سبيل المؤمنين, ولما أمعنت النظر فيها وكررت مطالعتها رأيت لزاما علي أن أردها بالدليل من الكتاب والسنة والمأثور عن أعلام الهدى وأئمة العلم والإيمان.
أسباب الرد:
والذي حملني على التصدي لتلك العبارات أمور:
أحدها: أني لم أعلم حتى الساعة من تصدى لها وكشف عوارها, وأبان شذوذها وندودها من أهل العلم وطلابه.
ثانيها : أن هذه العبارات تلقاها المئات إن لم يكن الألوف ممن يطلبون العلم على أمثال الشيخ إبراهيم عفا الله عنا وعنه, فطاروا بها في الآفاق فشرقوا بها وغربوا وذلك لما انقدح في أذهانهم وتشربت به قلوبهم أنها ضمن ما يجب التفقه فيه من دين الله.
ثالثها: ما أمر الله به ورسوله من واجب النصيحة للعامة والخاصة, قال تعالى ” وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه”.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بعض مسائله على باب “من تبرك بحجر أو شجرة ونحوهما” من كتاب التوحيد, : أن ما ذم الله به اليهود والنصارى في القرآن أنه لنا.
ومن السنة المتواترة في هذا الباب ما أخرجه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة, قالوا : لمن قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
قال مقيده: وسأعرض عليك أيها القارئ جملة من تلك العبارات متبعا كل واحدة منها :
أولا: ببيان مخالفتها ونكارتها.
ثانيا: بالدليل من الكتاب والسنة والمأثور عن الأئمة.
فأقول وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل:
العبارة الأولى : قال الشيخ إبراهيم : لكن هنا مسألة أخرى مقررة عند أهل العلم إن أهل السنة قد يحصل بينهم خلاف, وهذه مسألة لا ينكرها من كان له حظ من العلم, أنه حصل خلاف واختلاف سواء في مسائل أصول الدين أوالمسائل العملية”:
وأقول: هذه العبارة شبيهة في المعنى تماما لعبارة نطق بها الشيخ عبد الله بن محمد الأمين – رحم الله الأمين- يدرك وجه الشبه بين العبارتين من كان حاذقا لما تدل عليه الألفاظ من معاني وهاك ردنا على تلك العبارة بعد نقلنا:
قال الشيخ عبد الله : ” الأصول الاعتقادات فيها أشياء يكون فيها خلاف , الصحابة اختلفوا في رؤية الله , وما كان فيه مشكل , ابن عباس وعائشة اختلفا , ماقال واحد للثاني أنت ضال “.
وأقول : أولا: عفى الله عنا وعنك , في عبارتك هذه ماهو تعمية وتلبيس على ابنائك الطلاب في أمر هو من أصول الدين بل هو زبدة الرسالات , وذلك من وجهين:
الأول : المخالفة الصريحة لأعلام الهدى وأئمة العلم والدين وها أنا أسوق من أقوالهم مايرد هذه العبارة ويدل على بطلانها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” وهكذا الفقه إنما وقع فيه الاختلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه وأما الجليل فلا يتنازعون فيه . والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد ولا في الطريق إلى الله التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين” [ مجموع الفتاوى (19/274(].
وقال ابن القيم رحمه الله :” أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم لم يسوموها تأويلا ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا ولم يبدوا لشيء منها إبطالا ولا ضربوا لها أمثالا ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم وجعلوا الأمر فيها كلها أمرا واحدا وأجروها على سنن واحد ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه ” [إعلام الموقعين 1/49]
وقال شيخنا الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله : ” الصحابة لم يختلفوا في العقيدة أبدا, إنما الخلاف وقع بعدهم” [المجموع في ترجمة العلامة المحدث حماد الأنصاري (2/493) مسألة رقم :124].
أليست هذه الأقوال كلها متفقة على أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على أمر العقيدة وما أظن ذا علم صاحب سنة إلا يدرك ذلك .
الوجه الثاني : قال الدكتور أصلح الله حالنا وحاله :
الصحابة اختلفوا في رؤية الله إلخ .
وأقول أيها القارئ الكريم : هذا مثال من ابن الأمين على ما قرره من اختلاف الصحابة في أمر العقيدة ، وأنا أسأل الدكتور ، فأقول : أي رؤية تعني ، أهي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة أو هي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، فأجملت ولم تبين ، وهذا تلبيس ما بعده تلبيس .
فإن كنت تعني الأولى فما سبق نقله عن الأئمة مع دلالة الكتاب والسنة على ثبوتها بما لا يجهله المتوسطون في العلم من أبناء أهل السنة .
من ذلك ما أخرجه أحمد ومسلم واللفظ لأحمد عن صهيب بن سنان رضي الله عنه : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا لم تروه. فقالوا وما هو ألم تبيض وجوهنا وتزحزحنا عن النار وتدخلنا الجنة. قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه ». ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة (
وإن كنت تعني الثانية وهي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة أسري به ، فماذا قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ؟
قالت عائشة رضي الله عنها : لقد قف شعرى مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ، من حدثك أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – رأى ربه فقد كذب . ثم قرأت ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) الحديث . أخرجه البخاري .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ” جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة ، فيجب حمل مطلقها على مقيدها ، فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس ، قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد ؟ وأخرجه ابن خزيمة بلفظ ” إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة ” الحديث . وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس : هل رأى محمد ربه ؟ فأرسل إليه أن نعم . ومنها ما أخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله تعالى ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال : رأى ربه بفؤاده مرتين . وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال : رآه بقلبه، وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضا عن ابن عباس قال : لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه ، إنما رآه بقلبه . وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب”. [فتح الباري (8/608(]
وبهذا التقرير يتحصل عند القارئ اللبيب أن الدكتور لم يكن سديد القول ولا مصيبا للحق في هذه المسألة لما عمد إليه من الإجمال وترك البيان ، وما عرف هذا إلا عن أهل الأهواء يسلكون ذلك لبسا للحق بالباطل والهدى بالضلال والسنة بالبدعة .
قال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
فعلَيْكَ بالتَّفصِيلِ والتَّمييزِ فالـ إطْلاَقُ والإجمَالُ دُونَ بَيَانِ
قَدْ أفْسَدَا هَذَا الوُجُودَ وخَبَّطَا الـ أذْهَانَ والآراءَ كُلَّ زَمَانِ”
وما أظنك أيها القارئ بعد نظر البصر والبصيرة إلا تدرك وجه الشبه بين المقولتين, وسوف تقول ما أشبه الليلة بالبارحة , وأرى أن أزيد هنا في الرد مقولتين سديدتين إحداهما فتوى اللجنة الدائمة , والثانية لفضيلة الشيخ صالح اللحيدان وفق الله الجميع.
وسئلت اللجنة الدائمة : هل يجوز القول : إن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في العقيدة ، مثل : رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه سبحانه في ليلة المعراج ، وهل الموتى يسمعون أم لا ، ويقول : إن هذا من العقيدة ؟
ج : العقيدة الإسلامية والحمد لله ليس فيها اختلاف بين الصحابة ولا غيرهم ممن جاء بعدهم من أهل السنة والجماعة ؛ لأنهم يعتقدون ما دل عليه الكتاب والسنة ، ولا يحدثون شيئا من عند أنفسهم أو بآرائهم ، وهذا الذي سبب اجتماعهم واتفاقهم على عقيدة واحدة ومنهج واحد ؛ عملا بقوله تعالى : سورة آل عمران الآية 103 ( (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقوا ) ومن ذلك مسألة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، فهم مجمعون على ثبوتها بموجب الأدلة المتواترة من الكتاب والسنة، ولم يختلفوا فيها .
وأما الاختلاف في هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج رؤية بصرية ، فهو اختلاف في واقعة معينة في الدنيا ، وليس اختلاف في الرؤية يوم القيامة ، والذي عليه جمهورهم وهو الحق أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه لا ببصره ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك قال : نور أنى أراه.. فنفى رؤيته لربه ببصره في هذا المقام لوجود الحجاب المانع من ذلك وهو النور ، ولأنهم مجمعون على أن أحدا لا يرى ربه في هذه الدنيا ، كما في الحديث : “واعلموا أن أحدا منكم لا يرى ربه حتى يموت” رواه مسلم ، إلا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم . والصحيح أنه لم يره بهذا الاعتبار .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وسئل الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله عضو هيئة كبار العلماء: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ هنالك من يقرر ويقول: أن الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة فما حكم ذلك أفتونا مأجورين ؟
الشيخ : أستغفر الله هذا لايقوله إلا مبتدعٌ ضال, يقول الصحابة اختلفوا!! الصحابة أهل عقيدة إذا وجد خلاف بينهم فإنما هو في بعض الأمور الاجتهادية في الأعمال وأما في أمور العقيدة بأن الله واحدٌ أحد أنه السميع البصير أنه الفعال لما يريد أنه الخلاق أنه خالق كل شيء المطلع على كل شيء, لا لن يختلفوا ولا يثير هذا الأمر إلا داعية فتنة إما انه يتستر في إدعائه أنه من أهل الخير قد يكون عرف خيراً وصار يتحدث بالخير الذي يعرفه ليوهن الناس وليجرهم إلى الباطل الذي يجنح إليه ويحرص على إشاعته إن كان من المغترين فليستغفر الله وليتب وليرجع إلى أهل العلم يسألهم وإن كان.. ممن يحب أن يخفي المقاصد ويغطي أهدافه فَليُفصح ليتوق الناس شره”, من محاضرة بعنوان:”صفات الفرقة الناجية والطائفة المنصورة”.
العبارة الثانية : قول الدكتور في رسالته الموسومة ب” النصيحة فيما يجب مراعاته عند الاختلاف وضوابط هجر المخالف والرد عليه“ : “ينبغي أن يعلم أن أهل السنة بحق هم أهل الامتثال الكامل للإسلام اعتقاداً وسلوكاً ،ومن قصور الفهم أن يظن أن السني أو السلفي هو من حقق اعتقاد أهل السنة دون العناية بجانب السلوك والآداب الإسلامية وتأدية حقوق المسلمين فيما بينهم”.
قلت : فما الذي تفهمه أيها القارئ من هذه العبارة , أليست صريحة في أن من لم يعنى بجانب السلوك والآداب الإسلامية وتأدية حقوق المسلمين فيما بينهم ليس بسلفي أو أن من لم يلتزم بهذه الأمور ليس محققا للتوحيد ؟
والجواب عن هذا يتضمن وجهين :
الوجه الأول: في ردها من جهة النص : ما أخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال: إنك لا تظلم “، قال: «فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء» قال الترمذي : حسن غريب , وصححه الألباني في الصحيحة برقم 135.
وإيضاح ما أفاده هذا الحديث :
أولا: أن الرجل لقي الله فاسقا وليس له من الحسنات سوى التوحيد, ويزيده وضوحا قوله : بلى إن لك عندنا حسنة, ولم يقل حسنات .
وثانيا: أنه لو كان له حسنات لذكرت. فبان بهذا التقرير أنه لم يدخل الجنة إلا بتحقيق التوحيد, لأن جميع ما في تلك السجلات كله من السيئات.
الوجه الثاني: ما قرره أئمة أهل السنة أن من لقي الله بكل ذنب خلا الشرك والكفر كان تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه, وإن عذبه لم يخلده في النار. مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة :
فمن الكتاب قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء).
ومن السنة المتواترة في هذا الباب ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى:”من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار» وقلت أنا: من مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة”.
وما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله e: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار» فهل يجوز بعد هذه النصوص وما في معناها أن يفهم عاقل أن من لم يعنى بجانب الآداب والسلوك .. الخ عبارات الشيخ ليس بسلفي؟.
والحاصل: من دلالة النصوص وآثار الأئمة من أهل السنة أن أهل السنة قسمان:
أحدهما: من لقي الله على التوحيد الخالص والسلامة من المعاصي فهذا هو المؤمن كامل الإيمان.
والثاني: من لقي الله على التوحيد الخالص مصرا على كبيرة, فهذا هو المؤمن الفاسق الذي هو تحت المشيئة, فبان للقارئ الكريم أن عبارة الدكتور إبراهيم عفا الله عنا وعنه ملبسة موهمة, فياليته اكتفى في تقريره هذه المسألة بما مشى عليه الأئمة من بيان وجه الدلالة من النصوص بلا عسف ولا تكلف.
العبارة الثالثة: قول الدكتور إبراهيم الرحيلي –وفقه الله- :” ولهذا لما خالف مرجئة الفقهاء أصل أهل السنة في باب الإيمان ووافقوا المرجئة ما بدعوهم وأخرجوهم من أهل السنة, وإنما قالوا ” مرجئة أهل السنة” يعني هم من أهل السنة وهم على السنة لكنهم وافقوا المرجئة في قولهم.
وقال في موطن آخر : وأما الطعن في الإمام أبي حنيفة أو تبديعه أو إخراجه من السنة بهذا فلم يقل بهذا أحد من أهل العلم , وإنما هو قول أخطأ فيه كما أن غيره من أهل العلم أخطأ في مسائل أخرى وفي جزئيات أخرى ولهذا يسميهم العلماء ” مرجئة أهل السنة” مرجئة الفقهاء.
وأقول : محصل العبارتين فيما يأتي:
أولا: وصف مرجئة الفقهاء وهم الذين يحدون الإيمان بأنه القول والاعتقاد ب”مرجئة أهل السنة” وأكده بقوله “يعني هم من أهل السنة”.
وثانيا: أنه لم يبدعهم أحد من الأئمة.
ونحن نقول أولا: هل أنت متأكد مما تقول يا شيخ إبراهيم, أم كان منك ظنا وحدسا.
فوصفك مرجئة الفقهاء بمرجئة أهل السنة, لم نعلم حتى الساعة من سبقك إلى ذلك من أئمة السلف وإنما قال هذا القول فيما وقفنا عليه الشهرستاني, والرجل مخلّط أشعري, ومتخصص في العقيدة مثلك, لا يصلح عمدة له في هذا الباب.
وثانيا: ما أفادته عبارتك أنه لم يبدعهم أحد من الأئمة مجازفة منك ومخاطرة, لا سيما وأنك متخصص وأستاذ في العقيدة بالجامعة الإسلامية حرسها الله. لأنه في الغاية من التدليس والتلبيس وكنا نربأ بك عن ذلك.
ونحن نجلي هذه المسألة ونزيل عنها اللبس بنقول عن بعض الأئمة في الحكم على تلك الفرقة التي حكمت عليها بأنهم مرجئة أهل السنة.
روى عبد الله بن أحمد في السنة (1/190) قال: حدثني أبي حدثنا أسود بن عامر قال سمعت أبا بكر بن عياش ذكر أبا حنيفة وأصحابه الذين يخاصمون فقال: كان مغيرة يقول: والله الذي لا إله إلا هو لأنا أخوف على الدين منهم من الفساق، وحلف الأعمش قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أعرف من هو شر منهم قيل لأبي بكر يعني المرجئة؟ قال : المرجئة وغير المرجئة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10 / 748) :بعد ذكره أصلا فاسدا في تعريف الإيمان: ” وهذا أصل فاسد في الشرع والعقل حتى إن الأئمة: كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبي عبيد وغيرهم كفروا من قال في ” الإيمان ” بهذا القول؛ بخلاف المرجئة من الفقهاء الذين يقولون: هو تصديق القلب واللسان؛ فإن هؤلاء لم يكفرهم أحد من الأئمة وإنما بدعوهم”.
وإن احتج محتج في الدفاع عن هذا القول، قائلاً: لما تنقد هذه العبارة: «مرجئة أهل السنة»، وقد قالها من قالها من أهل العلم الكبار؟.
فالجواب: يتوجه إليك يا هذا عدة أسئلة:
أولاً: هل سبق إلى هذا القول من ذكرتَ أحدٌ من أئمة السلف في القرون المفضلة ؟!
فإن قلت: نعم.
وجب عليك الدليل!
وإن قلت: لا.
وافقتنا في النقد شئت أم أبيت.
وثانياً: هل ترى الإرجاء بدعة أو سنة؟
فإن قلت بالأول؛ كنت معي و وجب عليك التسليم للنقد، وإن قلت بالثاني؛ خالفت إجماع السلف من أئمة العلم والدين والإيمان.
وأقول لك أخيرا: أما تعلم يا بني أنك بوصفك مرجئة الفقهاء بأنهم مرجئة أهل السنة قد فتحت الباب على مصراعيه أمام كل من يبرر لنحلة ضالة, أن يقول على سبيل المثال: خوارج أهل السنة, جهمية أهل السنة, معتزلة أهل السنة , وهلم جرا. فليتك تفطنت.
العبارة الرابعة : قال الدكتور إبراهيم الرحيلي :” فهذا الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله وهو صاحب سنة وعلم وفضل , لا يتنازع في ذلك اثنان ممن عرفوه وعرفوا جهوده في خدمة السنة ألف كتابه المشهور “تاريخ الجهمية والمعتزلة” ومما جاء فيه : قوله رحمه الله بعد إيراد بعض كلام السلف في ذم الجهمية ” ولا يشك أن مرادهم أولئك الزنادقة الملاحدة الذين تستروا بالتجهم, أما صالحو الجهمية فبمعزل عن هذا الجرح كما لا يخفى…الخ”.
وأقول: متوجها إلى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, إلى كل قارئ يحسن النظر في الألفاظ, ويدرك دلالتها تمام الإدراك أقول للقراء الكرام: هاكم جملة من عبارات القاسمي من تاريخ الجهمية, ط مؤسسة الرسالة 1399هـ :
قال القاسمي ص 16:” ومن تأمل ما قص يعلم أن قتل الجهم إنما كان لأمر سياسي لا ديني”.
وقال ص 16 أيضا: ” هذا مجمل ما رواه الثقات في سبب مقتل جهم ومخدومة الحارث وبه يعلم ما كانا عليه من الحرص على إقامة أحكام الكتاب والسنة وجعل الأمر شورى وإباء الانغماس في إمرة الظالمين ورفض أعطياتهم والعمل لهم”.
وقال ص 17 : وجهم كان داعية للكتاب والسنة, ناقما على من انحرف عنهما, مجتهدا في أبواب مسائل الصفات”.
وقال ص77 : بيان أن الجهمية والمعتزلة لهم ما للمجتهدين, ثم قال : وكيف لا تكون من المجتهدين وهي تستدل وتحكم وتبرهن وتقضي وتجادل خصومها بمآخذها”.
وقال ص 79:” نعم كان بعض السلف سلق بعض متقدمي الجهمية والقدرية بألسنة حداد , ورموهم بما هم براء منه, وكان ذلك في أيام ضعفهم وقلتهم..”.
أيها القارئ الفطن الكيس اللبيب من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ومن تدرك دلالات الألفاظ على حقائقها أتوجه إليك بهذه الأسئلة :
أولا: هل تصدر هذه العبارات من صاحب سنة, وله علم وفضل لا يتنازع في ذلك اثنان ممن عرفوه وعرفوا جهوده في خدمة السنة ؟!! ما أظنك إلا توافقني على أنها لا تصدر إلا من جاهل أو مبتدع ضال مضل, وكلا الرجلين وإن أصاب سنةً فلا يستحق هذا الثناء من الأخ إبراهيم عفا الله عنا وعنه.
ثانيا: هل كل من له جهود انتفع بها أهل السنة تعفيه التبعة من ركوب البدع والثناء على أهلها كما صنع القاسمي وزعم أخونا إبراهيم أنه مجتهد؟
ثالثا: من سبق القاسمي إلى التفريق بين الجهمية وأن منهم صالحين ومنهم زنادقة, فإن كنت في شك أيها القارئ أو تميل إلى تفريق القاسمي ؛ فهاك قولين لعلمين مشهود لهم بالإمامة في الدين, وهما شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه شيخ الإسلام ابن القيم رحم الله الجميع :
قال شيخ الإسلام : “فلهذا كان السلف والأئمة مطبقين على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مشهورًا معلومًا بالاضطرار لعموم المسلمين” بيان تلبيس الجهمية (2/ 73).
وقال ابن القيم -رحمه الله- “
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنــــــــــــــــــــــــهم بل حكاه قبله الطبراني”.
فبان لك بهذا النقل أيها القارئ:
أولا: أنه لا وجه لتقسيم القاسمي الجهمية إلى زنادقة وصالحين.
وثانيا/ أنه بهذا التفريق مع ثنائه على الجهمية والمعتزلة ووصفهم أنهم مجتهدون, مخالفة صريحة لإجماع أئمة العلم والدين على كفر الجهمية.
ثم قول أخينا الشيخ إبراهيم: والمقصود التمثيل لهذه الصورة وأنه قد يوجد في أهل السنة من يخفى عليه أمر الجهمية فيقول ما قال فينتفع بعلمه وتجتنب زلته“فالجواب عنه من وجهين:
أولا: أن من يخفى عليه أمر الجهمية لا يصلح لتعليم الناس, فنقول له :هات لنا علما من أعلام أهل السنة أو طالب علم تتلمذ عليهم يخفى عليه أمر الجهمية حتى يسلك مسلك القاسمي.
ثانيا: أن من لا يبدع الجهمية هو أحد رجلين ولا ثالث لهما: رجل جاهل أو من الهمج الرعاع اتباع كل ناعق, ورجل صاحب هوى ضال مضل جاد السعي في حرف الناس عن السنة ونهج السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أهل القرون المفضلة الثلاثة.
هذه العبارات الخمس التي نقلناها من كتاب القاسمي تاريخ الجهمية ذلك الكتاب الذي قال عنه الشيخ إبراهيم فيه إشكالات, كلها كما رأيت أيها القارئ بواقع وبواطيل لا تصدر إلا عن من امتلأ قلبه بغضا لأئمة أهل السنة , وانحيازا إلى غيرهم من أهل الكفر والإلحاد, يدل لهذا وصفه للجهمية بأنهم مجتهدون, مخالفا إجماع الأئمة على كفر الجهمية, وهاك عبارة أخرى من خارج تاريخ الجهمية وبها نكمل ستا مما أردنا به المثال على عداوة القاسمي للسنة وأهلها.
قال القاسمي فيما نقله عنه ولده في السوانح برقم 12, كما في كتاب ” جمال الدين القاسمي وعصره ص273-274″: لا عبرة برمي شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما رحمهم الله تعالى بالإلحاد مثل النصير الطوسي وابن عربي وبعض الأشاعرة أو المتأولين لآيات الصفات وآثارها فإن ذلك منه ومن أمثاله حمية مذهبية, وغيرة على نصرة ماقوي لديه.
وقد عهد في العالم الغيور الذي لا يتسع صدره لخلاف الخصم, أن يحمل عليه أمثال هذا وأعظم, وإلا فالنصير قد علم أن له مؤلفات في فن الكلام, خدمت وشرحت وكلها مما يبرئه عن الإلحاد والزندقة, ودعوى أنه كان محرضا هولاكو على قتل العلماء, دعوى من لم يعرف سنة الملوك المتغلبين المندفعين على البلاد للأسر والقتل, وأين نصير الدين من هولاكو, حتى يكون مستشاره في القتل والسفك؟ وعقيدته ومشربه وترجمته المحفوظة تبرئه من مثل ذلك! وابن عربي حق الباحث معه المنكر عليه أن ينكر عليه موضعا لا يحتمل التأويل, ويقول: ظاهره إلحاد. إلا أن الرجل له عقيدة نشرها أولا ومذهب في الفقه حسن, فمثله لا يسوغ رميه بالإلحاد, وحينئذ فيقال: كلامه مشكل إلا أن عقيدته صحيحة, فالأولى الإعراض عن المشكلات من كلامه, وعدم مطالعتها, إذ لعل لها معاني عنده, وأمثال هذا مما يخفف من الرمي والإلحاد, فافهم”ا-ه
قلت: ما أكثر النكارات في هذه العبارة, بل كلها نكارات وحمل على شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم, إذ حكما على ابن عربي والطوسي بالإلحاد, نذكر لك أيها المسلم الغيور على دينه بعضها:
إحداها: تصحيحه عقيدة ابن عربي والمعروف والمقطوع به لدى المحققين أن الرجل من أئمة عقيدة وحدة الوجود.
ثانيتها:رميه الشيخين بأن حكمهما على ابن عربي والطوسي حمية مذهبية.
ثالثتها: دفاعه القوي عن الطوسي وتبرئته أياه , حيث قال:” ودعوى أنه كان محرضا هولاكو على قتل العلماء, دعوى من لم يعرف سنة الملوك المتغلبين المندفعين على البلاد للأسر والقتل, وأين نصير الدين من هولاكو, حتى يكون مستشاره في القتل والسفك, وعقيدته ومشربه! وترجمته المحفوظة تبرئه من مثل ذلك “.
وهذا خلاف ما أجمع عليه المؤرخون من المسلمين وقال به غيرهم.
وأقول: ياشيخ إبراهيم ألبست القاسمي ثوبا فضفاضا من المديح بما أثنيت به عليه من الثناء الجميل ووصفته جازما بهذه الأوصاف ” صاحب سنة وعلم وفضل , لا يتنازع في ذلك اثنان ممن عرفوه وعرفوا جهوده في خدمة السنة” , وإني متوجه إليك بهذه الأسئلة :
أولا: هل أنت تعرف حال الرجل وتعلمها علم اليقين.
ثانيا: أو أنت قلدت ناقلا واثقا به,
ثالثا: أو أنك يا أخي تظن حال الرجل تخفى على طلاب العلم فضلا عن أهل العلم.
العبارة الخامسة: قول الدكتور إبراهيم وفقه الله: أنا أقول لك: لو رجل عنده علم وما بدع الجهم بن صفوان وعنده علم وعنده خير, أقول لك: عدم تبديعه لجهم بن صفوان تجنبه واطلب العلم.”
وأقول: سوغت يا شيخ إبراهيم أخذ العلم عمن لم يبدع الجهم بن صفوان, وأكدت هذا بقولك: “عدم تبديعه لجهم بن صفوان تجنبه واطلب العلم”.
وأقول لك ياشيخ إبراهيم :
أولا: هل أنت على علم حين قلت مقالتك هذه – وبررت لها- باتفاق المسلمين على كفر الجهم, كما نقله شيخ الإسلام ابن تيميه كما في مجموع الفتاوى (2 / 485) حيث قال -رحمه الله- :” لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلما وكان وليا لله فقد قتل الجهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري ومحمد بن سعيد المصلوب وبشار بن برد الأعمى والسهروردي وأمثال هؤلاء كثير ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء إنهم قتلوا ظلما وأنهم كانوا من أولياء الله”.
وأقول لك ثانيا: هل تظن أن صاحب سنة وعلم وفضل لا يبدع الجهم ؟!
لو كنت يا بني ذا بصر وفقه بأحوال هذا الذي لا يبدع الجهم وأمثاله؛ لتبين لك أنه أحد رجلين رجل جاهل أو من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق, ورجل صاحب هوى مشربه مشرب الجهم وأمثاله من أهل الزندقة والإلحاد, وسواء كان هذا أو ذاك فتسويغ أخذ العلم عنه غش وخيانة, فتفطن !
وأقول لك : ثالثا: كنت تخاطب طالب علم مبتدئ كما هو مفهوم من سياق كلامك, فكيف تسوغ لمثل هذا أخذ العلم عمن لا يبدع من بدعته مكفرة وهو الجهم, فأخشى يا بني أنك من حيث لا تدري وقعت في شراك قاعدة المعذرة والتعاون, أو قاعدة كل مجتهد مصيب حتى في الأصول. وكلا القاعدتين ضالة مضلة فاجرة, أعيذك بالله ونفسي منهما.
وأقول لك صراحة : لو قلت بعض أقوالك الخمسة؛ التي ثبتت لدينا عنك, وأمثالها كثير لضللت وما أنا من المهتدين, فهل تنبهت إلى ذلك أم كنت تلقي الكلام جزافا بغير روية.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
وأختم هذه المقالة التي ما أدرت إلا النصيحة بذكر وصايا عن أئمة السلف مخاطبا كل من خالطت السنة بشاشة قلبه, وتمسك بمسلك السلف الصالح وعض عليه بالنواجد.
الأولى : قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :” فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ”
الثانية: قال الأوزاعي رحمه الله: “اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ وَقُلْ فِيمَا قَالُوا وَكُفْ عَمَّا كَفُّوا وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يَسَعَكَ مَا يَسَعَهُمْ”.
الثالثة : قال ابن القيم رحمه الله :” فَمَنْ أَنْشَأَ أَقْوَالًا وَأَسَّسَ قَوَاعِدَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وَتَأْوِيلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأُمَّةِ اتِّبَاعُهَا، وَلَا التَّحَاكُمُ إِلَيْهَا حَتَّى تُعْرَضَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنْ طَابَقَتْهُ وَوَافَقَتْهُ وَشُهِدَ لَهَا بِالصِّحَّةِ قُبِلَتْ حِينَئِذٍ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ وَجَبَ رَدُّهَا وَاطِّرَاحُهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ جُعِلَتْ مَوْقُوفَةً، وَكَانَ أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ يَجُوزَ الْحُكْمُ وَالْإِفْتَاءُ بِهَا وَتَرْكُهُ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ وَيَتَعَيَّنُ فَكَلَّا وَلَمَّا”.
وأسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يرينا وإياكم معاشر المسلمين الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه: عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري
المدرس بالجامعة الإسلامية سابقا
وتم الفراغ من هذه المقالة بعد مغرب الخميس
الحادي والعشرين من شهر ذي الحجة
لعام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف.